السبت، 12 أبريل 2014

لعنوا الحجاج واستغفروا له






ذهب رجلان من المعتزلة الى رجل يرى رأي الخوارج , كثير الصلاة والصيام . فكلموه فأصغى الى كلامهم , فلما سكتوا لبس نعله ووقف على باب المسجد ورفع صوته بالقراءة فاجتمع عليه الناس , فقرأ ساعة حتى بكى الناس ثم وعظهم ثم ذكر الحجاج فقال : احرق المصاحف وهدم الكعبة , فالعنوه . فلعنه الناس ورفعوا اصواتهم .

 ثم قال : انا كلنا مذنبون , لقد كان الحجاج غيورا على المسلمين , تاركا للغدر , عفيفا عن المال , فما علينا ان نترحم عليه , فان الله رحيم . ثم رفع يده ودعا للحجاج , فرفع القوم ايديهم واجهشوا بالبكاء والاستغفار له .

 فلما انتهى الخارجي , قال للمعتزلين : لعنوه واستغفروا له في ساعة واحدة , اتنهانا عن دماء امثال هؤلاء ؟


 القصة في مجملها تعكس هذه الحالة الملحوظة من التناقض والتخبط والعشوائية والاذدواجية التي يعيش فيها الشعب المصري الآن , لقد خرج على مبارك آلاف المصريين ليطالبوا برحيله , فهتفوا ضده بكل ما سمحت لهم عبارات الهتاف , وسبوه بأقذع الشتائم , وما تركوا ذنبا فعله او لم يفعله الا وفضحوه به , فخرجت حينها النوادر والنكات والقصص العجيبة عن مدى فساد وخراب هذا الرجل , حتى انهم طالبوا باعدامه والتمثيل به في ميدان عام .

 ثم رحل مبارك وترك الارث للعسكر , ورغم انهم كانوا هم صفوة مجلسه وسندة عرشه الا ان الشعب المصري لم يترك لهم من صفات المدح والتملق الا ومدحوهم به , فأغدق عليهم من النعوت الشريفة ما تسطر به كتب وروايات . حتى انهم اسندوا لهم شرف الدعوة الى الثورة , وادعوا وقتها ان طنطاوي وعنان هم من اطلقوا الصيحة الاولى لنداء الثورة . فما ان اجلسوهم على اكتافهم ولفوهم على رقابهم حتى انقلبوا عليهم دون اي سبب مفهوم , اللهم الا اتهامات قد تصدق او تكذب ولم يكن لها اي دليل واحد حينذاك . وما كان بالامس موسى اصبح فرعون بين ليلة وضحاها .

 وفي انتخابات غاية في البلاهة قرر الشعب ان تغيير النظام لابد من حدوثه حتى لو كان على حساب اهداء ثورتهم الى جماعة شهد لها التاريخ بأنها جماعة سرية مغلقة لا تضم في كنفها الا من دخل معها في نسب , وظنوا حينها ان هذه السرية والكتمانية ما هي الا خوف ورهبة من النظام الباطش . فراح الشعب المصري يتعذر هنا وهناك ويبحث هنا وهناك ويلوي بعض الرقاب هنا وهناك حتى استطاعوا ان يخلقوا للجماعة اي مبرر ليسلموها على اثره مقاليد الحكم .

 وبعد عدة صراعات كانت الدولة فيها طرف رئيسي باجهزتها ومؤسساتها ورجالها ضد الجماعة بأموالها ونفوذها ورجالها , سارعت الدولة بألفاق كل صغيرة وكبيرة في ذنب الجماعة , وسارعت الجماعة في اعلان حربها على الدولة بطريقة علنية غاية في الغباء . ثم تطور الامر ليصبح حربا اعلامية بامتياز , فأمرت الدولة كل رجالها من الاعلاميين والصحفيين ممن وقفوا ضد الثورة في بادئ الامر ثم تداهنوا معها بالتقية , فشنوا حربا اعلامية على الجماعة , فاستقبل الناس هذه الاتهامات بجدية شديدة حتى  انهم ندموا بشدة على اتهامهم لهؤلاء الاعلاميين الشرفاء بالتبعية والولاء للنظام الساقط . ومن جهتها قامت الجماعة باستخدام رجالها في محاصرة مؤسسات الدولة بطريقة فجة تدل على الكثير من العبط والسذاجة . فتغيرت النفوس وتبدل المزاج عند الشعب المصري فخاض هو الآخر هذا الصراع , فلعنوا الجماعة ورجالها , ولعنوا من اتى بها ومكنها من الحكم , ولعنوا حتى من ايدها وصوت لها في الانتخابات الهزلية .

 ثم رحلت الجماعة وتصدر المشهد للمرة الثانية على التوالي المجلس العسكري , ورغم انه لم يتبدل منه على وجه اليقين سوى شخصين او ثلاثة الا ان الشارع المصري لم يكن ليسكت عن ترديد نفس عبارات المدح والتملق والنفاق التي نعتوا بها المجلس الاول , وتهادت الى اسماع الجميع نغمات واغاني واشعار في هذا المجلس الحكيم مما تجلى به هؤلاء الذين لم يعترفوا بالثورة الاولى , ولأن هذا الامر كان يؤرق مضاجع بعضهم , فقد خرجوا بفكرة غاية في العبقرية والدهاء , فقرروا تسمية ما تقيأوه من غباء بأنه ثورة مجيدة , ثورة حقيقية مشهود لها بالنجاح , ثورة قامت على اكتاف الدولة برجالها الاوفياء بمشاركة ثنائية مع المجلس العسكري الجديد القديم .

 وفي النهاية خطى الشارع المصري خطوته الاولى الى الخلف سعيا وراء اعادة المشهد المصري الى ما قبل 2011 حتى يتسنى لهم ولنا جميعا العيش برخاء وامان وكرامة تحت لواء الزعيم المفدى الجديد , عضو المجلس العسكري القديم الجديد .  فلا حرمنا الله لعن الشعب المصري ولا استغفاره


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق