الأربعاء، 23 أبريل 2014

محرك الدمى







وقفت أتأمل هذا المجرى الضيق من النيل ومياهه التي تتدفق ببطئ شديد كما لو انها مخلوطة بمادة لزجة , لتدور في ذهني افكار مبعثرة ومضحكة جدا , فعلى سبيل المثال انا لا اجد اي متعة في تأمل مياه النهر او البحر , واجده طقس غاية في السخافة , كما ان هذا المنزل المواجه له - وهو المنزل المنشود - تحيطه غابة كثيفة من الاشجار الخضراء الرخيصة , وهو منزل قوطي بشع يشبه هذه المنازل التي تراها في افلام الويسترن القديمة , منزل خشبي عتيق تفوح منه رائحة الزمن , رغم ان الخشب كما يبدو من صنف ممتاز وربما يكون مستورد ايضا . ادهشني وانا اعبر البوابة الخشبية المهترئة انه لا يوجد حارس ولا بواب ولا كلب حراسة ولا اي شيئ يدل على ان صاحب المنزل يهتم بالحماية . رفعت بصري عاليا بعص الشيئ فرأيت دخان ينبعث من اعلى المنزل قادم من مدخنة سوداء كقلب المؤمن , وتعجبت من فكرة بناء مدفأة في منزل خشبي . 

 طرقت على الباب طرقة واحدة كعادتي لاني لا افهم فائدة ان يقرع المرء ابواب الآخرين اكثر من مرة , خصوصا عندما يكون لديهم خبر مسبق بالوصول كما هو حالي وقتها . انشق الباب عن رجل متوسط الطول , ابيض البشرة , ذو شعر اسود مجعد , وبطن مترهلة , وعينان قد اثقلهما كثرة الخمور , وفي يده زجاجه من الجعة المستوردة . تأملني هو الآخر بعض الوقت ثم دعاني للدخول . كان المنزل بالداخل نظيف ومرتب عكس ما بدى في الخارج , ويبدو من اول نظره انه أ‘عد فقط للزيارات وليس للسكن الدائم , ربما رأيت غرفتين لا اكثر يتوسطهما حمام صغير ولا شيئ اكثر من ذلك . ومن توجه الكرسي الهزاز تبين ان صاحب المنزل كان يجلس امام المدفأة حين طرقت الباب , وربما هو المكان الوحيد الذي يجلس نحوه على اي حال . لا اثر لتليفزيون او حاسوب او تابليت او اي من ادوات التواصل , فقط هاتف من طراز قديم بقرص دوار . 


 دعاني بلطف الى الجلوس على كرسي من البوص ثم سألني اذا كنت اود تناول شيئ من الجعة , وقبل ان اجيبه قال : اه انت لا تشرب البيرة , وربما لم تشربها في حياتك سوى بضع مرات  لم اكترث لكلامه ولم اجبه على سؤاله . ذهب الى الثلاجة واخرج منها زجاجة من المياه الغازيه لا تشبه اي مياه غازية رأيتها في حياتي فناولها لي , ربما هي مستوردة ايضا . جلس على كرسيه الهزاز ثم وجهه ناحيتي واخذ يذهب به الى الامام والى الخلف في حركة تشبه هذا المصارع براي وايت . ثم بادرني بلهجة تحمل الكثير من السخرية : هل تعلم لماذا طلبت مقابلتك ؟ فأجبته بلا . فأكمل بنفس اللهجة الساخرة : نعم , رغم انك غير موهوب بالمرة في اي من المجالات , لا , ولا حتى في الكتابة , ليس هناك شيئ قد استفيده منك . فرددت عليه ببرود : اذا لا حاجه لي في البقاء هنا . ثم هممت بالنهوض فاستوقفني وقال : هذا لا يمنع ان نتجاذب اطراف الحديث , صدقني هناك الكثيرون ممن يرغبون في ان يكونوا مكانك الآن . فاستفزني غروره فقلت له : على اي حال لن يضيرني ان اكون محظوظا لبضع دقائق . فضحك بشدة ثم اعتلت وجهه علامات الحزن الشديد , ثم قال بلهجة ودودة : اعتدت ان اقرأ لك في الماضي , للأسف لم يعد لديك هذا البريق السابق . ثم دفع الكرسي الى الامام حتى يصدم زجاجته في زجاجتي كدليل على النخب . 


 سألته بعد ان شربت نصف الزجاجه ذات الطعم الغريب واللذيذ : هل لي ان اسأل ماذا تفعل هنا بعيدا عن الحضر ؟ هل تختبئ من جهات امنية ؟ هل انت هارب ؟ اعذرني على تطفلي . فأجاب سريعا كما لو انه اعد اجابته هذه سلفا وتحسبا لطرحي مثل هذا السؤال : انا لا اختبئ من شيئ , بل آتي هنا فقط لتصفية ذهني ولترتيب بعض الامور الهامة . هنا ابعد نفسي عن ضوضاء المدن , وغوغائية اهلها , والزحام الشديد , والجو الخانق , هنا اعيش في البراح . ثم ضحك ضحكة لا لزوم لها . فقلت له على سبيل المضايقة : هل تظن انك غامض الى هذا الحد ؟ هل تظنني لا اعرف من انت ؟ فقال لي وقد ارتسمت عليه ملامح السخرية مرة اخرى : من انا يا عزيزي ؟ فقلت له : انت محرك الدمى اليس كذلك ؟ انت من بيديه الخيوط يلاعبها يمنة ويسارا , انت من يسيطر على هؤلاء البلهاء الانترنتيون . فضحك بشدة ثم أفرغ زجاجة البيرة دفعة واحدة في جوفه ثم قال : هو انا , يالك من عبقري , ها ها ها , ان حمارا من الحقل المجاور لمنزلي قد يتوقع ذلك , لا اصدق انك تسمي هذا ذكاءا وحنكة . لم اتوقع ان تكون ردة فعلي على هذا الكلام الجارح هي ابتسامة حقيقية لا تتناسب مع الموقف . 


 صمتنا بعض الوقت يتفرس كل منا الآخر ثم قطعت الصمت قائلا : لولا هجومك واستخدامك لهذه الالفاظ لتصورت انك مازلت في اللعبة , اذا انت حانق مثلي , اذا انت ايضا لم يعد لك وجود . الآن فهمت . اللعنة على السياسة . ثم مددت يدي اليه لاصافحه , فلم يمد يده , فخرجت منصرفا , فصاح من على كرسيه صارخا : سنعود قريبا , لا تيأس يا صديقي , السياسة الى زوال , وسنرجع نحطم رؤوس بعضنا كالايام الخوالي

هناك 3 تعليقات:

  1. I always get intellectual orgasm reading your blog

    ردحذف
  2. أما أنا فكنت دائم الخوف و الحذر من محرك الدمى، فلم يسمع بوجودي يوما.

    صديقي مش فاهم، يا لها من صدفة طيبة أن أقع على مقال لك في هذا الوقت الذي أستعد فيه لمغادرة الحياة.
    لقد إستمتعت بكتاباتك الساخرة في فترة مضت من حياتي .
    وأتمنى أن تعيش سعيدا ،ثريا و بصحة جيدة

    ردحذف
  3. الزميل غير المعرف الاول :

    i hope your orgasm made u feel better , r u a regular follower ? if u are or not , please add my facebook account for more connection

    الزميل الغير معرف الثاني :

    لا استطيع ان اثنيك عن ما تفكر فيه والا ناقضت نفسي , لكن على الاقل يمكنك التواصل معي لتبادل الافكار قبل الرحيل

    يمكنك مراسلتي على هذا العنوان : ameer_2006lonely@hotmail.com

    او يمكنك اضافتي على الفيسبوك

    تحياتي لكما

    ردحذف